[fusion_text]قدم الصالون الادبى بمركز الخاتم عدلان أمسيته يوم الاحد 25 سبتمبر كأحتفائية بمرور عام على رحيل المفكر الكبير محمد أركون ـ تحدث فيها الأستاذ غسان على عثمان، ودكتور هشام عمر النور وقدم التعقيبات الأستاذ محمد الجيلانى، ودكتور بكرى خليل

أ/ غسان على عثمان
مثل هذا النشاط يعكس الاهتمام الكبير بالنشاط النهضوى ف المنطقة العربية والافريقية والتى نحن جزء منها
الحديث عن محمد أركون يأتى فى نطاق سؤال لماذا تأخرنا وتقدم الغرب ؟، فى الحديث عن أركون سوف أتحدث عن الاسئلة التى طرحها وطبيعة المعالجات التى طرحها فى الازمة الملازمة لطبيعة الوجود العربى الاسلامى وهىى مُتصلة بشكل او بأخر بفهم التراث
وعادةً فان المفكر العربى المهموم بالنهضة يطرح سؤال ماهى علاقتنا بالتراث العربى الاسلامى، سبق أركون عبدالله عونى وادونيس والجابرى، فى حديثهم عن اننا نحتاج لعلاقة من نوع خاص مع التراث نحتاج لصيغة جديدة فى التعامل مع هذا التراث، وسوف اقوم فى حديثى باللجوء للجابرى لانه بالنسبة لى هو كشاف فى كل مشاريع التراث والنهضة
أركون كان يُسيطر عليه سؤال لمناطق المخفية فى التراث العربى الاسلامى، ويُطلق عليها أسم الا مُفكَر فيه، الاسئلة التى لا نملك الجراءة على طرحها فى علاقتنا بالتراث العربى الاسلامى

أركون ينظر للتراث باعتباره رهينة للعقل المغلق، لا يستطيع أنتاج الاسئلة ويهرب من مواجهة الازمات، واختلف محمد أركون عن غيره فى انه يتحدث عن العقل الاسلامى، عكس الجابرى الذى تحدث عن العقل العربى الاسلامى وهو فرق واضح فى طبيعة المداخل لتناول التراث، أهم ما يُميز مشروع أركون هو محاولة اعادة كتابة تاريخ جديد للفكر العربى الاسلامى، وفى البداية لم يتطرق لتقديم الاجابات بقدر ما كان يؤسس للسؤال، وطبيعة المشاريع الفلسفية انها تهتم بالسؤال أكثر من الاجاب
قال أركون اننا نحتاج للقطيعة مع التفكير الاسطورى فى تراثنا العربى الاسلامى، ويعتقد ان هناك تداخل قد حدث فى تعاطينا مع التراث
المقصود بالتراث هو علاقتنا مع الوجود، مع الكون، مع فكرة الدين، مع ظاهرة النبوة، مع التعرف على النصوص المقدسة، والتراث هو المحدد الاساسى لسلوك الانسان العربى المعاصر

ما يُحمد لـ أركون انه عمل من داخل التراث، والكثير قالوا بالقاء هذا التراث فى المتاحف ونبدأ علاقة جديدة، وقراءة أركون صعبة، لانه لم يكتب بالعربية حيث كان تلميذه يُترجم له للعربية، وهذا يجعلنا نقول ان النص الأركونى لم يصل الينا كما أراد هو، حيث ان روح المترجم تكون حاضرة فيما يختاره من مداخل وزوايا وقضايا

البعض يعتقد ان أركون يُريد نزع القداسة عن الفكر الدينى وتحليل النص بواسطة التحليل الألسنى القائم على ان هناك علاقات داخل النص وعبر الحفر يمكن أكتشاف ماهو حقيقى وماهو زائف، ماهو موضوعى وماهو ممكن، ومن خلال قراءاتى لا اعتقد ان أركون يقول بنزاع القداسة بهذا الشكل المطلق، بل هو كان يرغب فى صيغة جديدة للتعامل مع التراث، حتى فى دعوته للعلمانية لم يكن يرغب فى نموذج علمانى مُتطرف وانما كان بحث عن صيغة جديدة بين الدين والدولة، ومبتدأ هذه الصيغة ان نُخضع هذا التاريخ لزمانه وان نُخضع التراث للظروف الموضوعية التى نشأ فيها

المشروع الأركونى متداخل بطريقة تحتاج فيها ان تستمع للرجل اكثر من تقرأ له او الاثنين معاً، من الافادات الكبيرة التى قدمها أركون كانت من خلال دراسته لرسائل الشافعى وابن تيمية، وقد توصل لبعض القناعات، منها ان العقل العربى الاسلامى عقل مغلق والا يملك طرح سؤال كيف يمكن ان يكون هذا التراث دافع من دوافع التغيير، وكان يعتقد ان مُجمل المشاريع الفكرية التى قام بها المثقف العربى تندرج تحت الجهل المقدس اى ان المثقف تنازل طواعيةً للفقيه عن دوره فى التغيير

انا اقوم هنا بشرح ما فهمته من أركون واى شخص من الممكن ان يختلف معى، أركون طرح نظرية أعتقد انها هامة للغاية، باننا علينا العمل بشكل جراحى داخل التراث العربى الاسلامى لتحييد ماهو ذاتى وماهو موضوعى، ماهو ذاتى نربطه بالفاعلين الاجتماعيين الذين انتجوا هذا التراث وندرس أثارهم وسلوكهم وعلاقتهم بالدولة، وان علينا ان نفصل بين التراث الذى كُتب على ظهر اليقينية فى التعامل مع الدين، أركون لم يكن فى خصام او فصام مع الأديان وهذا رأيى الشخصى، رغم محاولة البعض لوصفه بانه شخص ينزع القداسة عن التراث ويقول ان لا حل الا بالعلمانية، لكن الحقيقة ان الرجل كان اكاديمياً صارماً للغاية ولذلك كان يتعامل مع مشروعه دون التفات لمشروع سياسى او جماعة ما، كان يُريد التمهيد لمفاتيح أساسية فى التعامل مع التراث العربى الاسلامى

فى نقده لقضية الاسطورة والعقلانية هذا الصراع القديم فى الفكر العربى الاسلامى، الصراع بين العقل والنقل، الصراع القديم بين الجاحظ وابن حنبل، الصراع بين مدرسة التفسير الحرفى للدين والمدرسة المنفتحة على الثقافات الأخرى، أركون اعلن أنحيازه لابو حياة التوحيدى واعلن أنحيازه لتيار الأعتزال، وهذا دليل قاطع بان الرجل لم يكن يرفض التراث الاسلامى، وانما العمل من داخل هذا التراث، وقد انتقد السلفية المتطرفة رغم انه من وجهة نظرى كان رجلاً سلفياً لاننى اعتقد طالما انك تعمل من خلال دوائر داخل التراث فانت لم تخرج من توظيف الاسماء القديمة لصالح مشاريع مستقبلية

يمكن وصف علاقة بالتراث بانه شخص يستخدم مشرط حاد جداً فى الفصل بين ماهو زائف وماهو حقيقى، ولهذا فقد تم تكفيره فى بعض الاحيان، وهناك وصفات جاهزة فى المعرفة العربية بان اى شخص يتحدث عن النص الدينى ولو كان لصالح النص الدينى فهو شخص يُهدد الجماعية وبانه مُخرب، والمفكر لابد ان يكون شخص مُخرب لانه بطبيعة الحال ضد الثابت من اليقين والايمان المطلق الاعمى
الجابرى كان مهوماً باسئلة العقل السياسى وطبيعة تجليات التراث داخل الواقع، وأركون لم يكن مهموماً بهذا الامر وانما كان مهموماً بالتعامل دون اى مؤثر بالدرس الذى امامه دون تقديم اجابات، وقد تميز بالصرامة الاكاديمية وهى التى جعلت البعض يستجعل فى تقديم التحليل لمشروعه

أركون حاول ان يُعيد الى السطح التراث العقلانى الاسلامى، ومن تعقيدات المدرسة الفرنسية التى عمل عليها انها تتعامل مع المعرفة باعتبارها حقول متداخلة، وفى متشابك كهذا يصعب الحديث عن أشارات كلية للمشروع، لكن يمكن ان تكون هناك محاولات أولية
أركون تحدث عن عدم القدسية ليس للنص بل لفهم النص، لان هذا الفهم هو رهينة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والموقف السياسى، وهذه ليست مشكلة لان الفهم الخارج عن النص لا يُعبر عن النص

فى رسائل الشافعى أركون لم يكن يرفض الا ان يتم التعامل مع الانتاج الفكرى فى التراث الاسلامى باعتباره ان له تلك الامكانية والحيوية فى ان يعيش فى اى مكان، يعنى لم يُنكر اجتهادات هؤلاء الناس، التحرر من سلطات المؤسسات الفكرية ليس تحرراً بالمجان، لكن تحرر عبر دراساتها والتعرف على طبيعة البناء الداخلى لها، ثم بعد ذلك يتم أستيعابها وتجاوزها، وهذا ذكاء، ان تعمل وفق نظرية الأستيعاب والتجاوز
اقول ان أركون كان ينتمى لثقافة عربية مختلفة / هو ليس عربى عرقاً، هو امازيغى /، مختلفة نعم لكن بالمقارنة مع من ؟، مع المشاريع النهضوية فى المنطقة مع حسن حنفى مع الجابرى مع ادونيس وعدد كبير من الاسماء، والسبب كان هو أبتعاد أركون عن الصراعات التى قسمت المنطقة العربية الى تجمعات كثيرة

من الأشياء التى يجب تصحيحها فى دراسة أركون / وهذا رأى شخصى / هى ان يُدرس أركون بمنهجه هو بمعنى ماهى الاسئلة التى كانت تؤرق أركون، وماهى المعالجات المقترحة من قبله واين وصل ؟، مع من اتفق ومع من أتفق ؟
والأسئلة التى كانت تشغله كان سؤال النهضة، وسؤال النهضة يعنى سؤال التراث وماهى طبيعة علاقتنا بالتراث ؟، وأقترح معالجة عن طريق تحييد الذاتى والموضوعى، وعلينا تحديد ماهو أسطورى وليس بمعييار اليوم وانما بمعايير الوقت الذى نشأت فيه هذه المعارف، وأقترح علينا ان نتحرر من سلطة التفسير ولكن ليس تحرر رفض كل التفسيرات وانما أعادة قراءة هذه التفسيرات د هشام عمر النور

فى البداية لو سمحتم لى، أُريد التعليق على قراءة غسان، حيث انه لا يمكن قراءة أركون ضمن التعارضات السودانية المعروفة، من نوعية ذاتى وموضوعى وعلمانى، أركون لابد من قرأته فى سياق مابعد الحداثة، وقراءة أركون ضمن التعارضات السودانية هو الأمر الذى عمل أركون على رفضه طيلة حياته، وعمل على نقده وتجاوزه

وحتى يتضح لنا ان هذه القراءة بها مشكلة كبيرة، نبدأ بالموقف من أركون، البعض يعتقد ان أركون هو مُفكر فى السياق الاسلامى وهذا غير صحيح، هو فى الأساس مُفكر فى الأساس فى السياق الغربى والسياق الاوروبى، وربما هذا هو الفارق الأساسى بينه وبين محمد عابد الجابرى، ومعالجة مشكلة التراث العربى الاسلامى ليست هى قضيته، مشكلته اصلاً من نوع العلمانية السائد فى اوروبا، مشكلته كمهاجر اذا صح التعبير
مثلما هناك مهاجرين مثل ادوارد سعيد وقاموا بأنتاج مع بعد الكولونيالية / والكثير من المفكرين الغربيين يعتبرون ان مابعد الكولونيالينة هى تعبير عن المهاجر فى اوروبا /، فانا أعتقد ان مشروع أركون هو تعبير عن المسلم المهاجر فى اوروبا، عن كيف يعيش مسلم مهاجر فى مجتمع اوروبى ويُحافظ على أسلامه

اذا جاز لى القول / وتحت تعبير اذا جاز لى أضع مليون خط لانه قد لا يجوز لى / فان أركون هو أمتداد للازمة التى يعيشها كل المهاجرين المسلمين الذين يهاجرون من البلدان المتخلفة فى العالم الثالث وهى أزمة الهوية، فهم لا يستطيعون المحافظة على أصولهم الثقافية وطرائق تفكيرهم ولا هم قادرين على الانتماء للغرب وفى أحيان كثيرة جداً وامام التعليم وطرائق التفكير والنظام السياسى الموجود فى المهجر يشعرون بكثير جداً من الدونية، ومشروع أركون هو من أجل أعادة الاعتبار لنفسه ضمن السياق الذى يعيش فيه، ولذلك هو يقوم فى الأساس بالتعبير عن المغاربة الذين يعيشون فى فرنسا، 6 مليون مغربى فرنسى مسلم من الجزائر والمغرب وتونس وليبيا، ونحن نسمع باستمرار عن أوضاع الأزمة التى يعيش فيها هؤلاء الناس أركون هو نتاج كل هذا السياق، ثم لاحقاً هو محاولة للتجديد فى الفكر العربى الاسلامى، او فى الفكر الأسلامى تحديداً

سياق مابعد الحداثة، سياق به الكثير من الأشكالات، وتنطبق كلها على أركون، غسان قام بالأشارة الى التكفير الذى تم لأركون هنا، لكن فى الغرب هناك يتم أعتباره أصولى أسلامى ومستشرق مثل رون هنيبر كتب كتاب كامل عن المجهودات الفلسفية لأركون وحصيلة الكتاب ان أركون شخص أصولى أسلامى وهو يقوم بالتغطية على هذه الأصولية باستخدام مصطلحات مابعد الحداثة، وهو يقوم بالتغطية لان الموقف الأصولى لا أساس فلسفى له، ويقوم باستخدام مصطلحات مابعد الحداثة بحيث تعنى عكسها تماماً عنده هو، ويأخذ كمثال مفهوم التكرار، التكرار عند دولز يعنى انه واحد من مفاهيم مابعد الحداثة، وأركون عند رون هنيبر يستخدم مفهوم التكرار حتى يؤدى للآحادية الأسلامية والى الصراطية، وأركون نفسه يقول / وهذا ليس اجتهاد هنيبر / ان هذا التفكير الصراطى المستقيم هو نتيجة التكرار، وهما أمران عكس بعضهما البعض تماماً، فالتكرار فى مابعد الحداثة هو سمة للتفكير فى مابعد الحداثة، وعند أركون هو سمة للتفكير الصراطى

هذه أشارة انا قمت بأستخدمها لانها أشارة واضحة جداً، ونحن من الممكن ان نشتط ونقول ان أركون سلفى كما قال هينبر وكما قال غسان لكن من وجهة نظر مختلفة، لكن أنا لست مع هذا الاشتطاط على اى حال، انا مع وجهة النظر الأخرى التى تقول ان أركون يستخدم المصطلح من أجل أنتاج معرفة خاصة به، وأعتقد ان هذا امر مشروع فى مابعد الحداثة، الالتباس بين ان أركون أصولى او علمانى او كافر هو ألتباس خاص بمشروع مابعد الحداثة كله ولا يخص أركون وحده، وطبعاً ليس مشروع مابعد الحداثة كله حيث ان فى هذا المشروع هناك تيارات ليس فيها هذا الألتباس مثل تيار النظرية النقدية ومدرسة فرانكفورت، لكن هذا الألتباس موجود عند دريدا وفوكو، فوكو موقفه واضح من التنوير حيث يعتقد ان التنوير السبب فى عقل السيطرة وتتفق معه فى هذا مدرسة فرانكفورت، لكن فوكو يتجه لادانة كل المشروع فى نهاية المطاف بينما لا نجد ادانة للمشروع فى مدرسة فرانكفورت بل هناك أعادة بنائه، لهذا السبب فان هذه المدرسة ليس فيها هذا الألتباس، ومشروع التنوير قائم فى الأساس على تحرير الانسان

كلنا نعرف ان العقل الغربى او العقلانية الغربية، وفى وصفها لتطورها بدأت بحدوث قطيعة معرفية وكل أنسان يقوم بوصف هذا بطريقته الخاصة، لكن لنشرح كيف وصف أركون هذا التطور لانه هام جداً، فهو يعتقد ان هذه العقلانية الغربية كما تصف نفسها قد تطورت من نظرية معرفة كانت قائمة فى البداية على علاقات التشابه, فى الفلسفة اليونانية فى العصر اليونانى القديم والفلسفة فى العصر الوسيط، والمقصود بالتشابه ان الانسان هو جزء من الطبيعة، جزء من الكون كله، وان الانسان ذرة صغيرة تشبه هذه الذرة الكبيرة، والمعرفة الانسانية كلها كانت قائمة على هذا النوع من التشابه، وعندما نقول انه قد حدثت قطيعة وأصبحت المعرفة بعد العصر الوسيط قائمة على التباين وليس التشابه، على التباين المقصود بها ان الأنسان مُختلف تماماً من الطبيعة وبالعكس فان الأنسان يُعبر عن عقل مركزى، وهذا العقل المركزى لديه القدرة على معرفة الطبيعة والسيطرة عليها، ولهذا أصبحت الطبيعة مُميزة عن الأنسان

مركز المعرفة فى القرون الوسطى كان هو الله سبحانه وتعالى، ومع التحولات التى حدثت أصبح مركز المعرفة هو الأنسان وليست الطبيعة او الله، وهذا ليس بمعنى نفى الالوهية حيث أصبحنا نفهم الالوهية بمصدرنا نحن وليس من الوحى، وحتى الوحى نفسه تتم عقلنته، وهذا الأنتقال هو أنتقال هام للغاية وهو بتعبير أركون أنتقال من الحدس الى اليقين، حيث ان التشابه كله قائم على الحدس وقائم على حضور الموضوع امام ذهننا مباشرةً، اليقين أصبح مبنى على تصورات منطقية ورياضية ومعادلات

عندما نقول ان المعرفة أصبحت قائمة على مركزية العقل الأنسانى، فهذا ما يصفه أركون بان الذى حدث فى الغرب هو ان علوم الأنسان قد همشت الاهوت بل أدت الى نفيه، وهذا ليس نهاية مشروع تطور عقلانية الغرب على اى حال حيث اننا لم نأتى بعد لحقبة مابعد الحداثة
مابعد الحداثة، الذى حدث فيها ان نيتشة اعلن فى القرن التاسع عشر عن موت الاله، ثم جاء فوكو فى اواسط القرن العشرين من اجل اعلان موت الأنسان، وهذا بالظبط هو نهاية التمركز العقلانى، نهاية المركزية العقلية باعلان ميشيل فوكو، وموت الأنسان هنا المقصود به الأنسان المربوط بالسياق التاريخى الاجتماعى

نهاية مركزية العقل تعنى تعدد الخطابات، وهذا هام جداً بالنسبة لأركون، لم يُعد الخطاب العلمى القائم على التجربة والملاحظة هو الخطاب الوحيد المُنتج للمعرفة الأنسانية، أصبح هناك عدد من الخطابات، ولا نستطيع ان نمنح أفضلية لأى خطاب، بناءً على هذا التعدد فان الكون يُريد اعادة الأعتبار للأسطورة، ولهذا فان حديث غسان حول ان أركون لا يُريد نزع الأسطورة عن النصوص او لا يُريد ان ينزع القداسة عن النصوص، هو كلام صحيح لكن بشكل جزئى، حيث ان أركون قام باجراء تميزات هامة جداً، فهناك الأسطورة وهناك الأسطرة وهناك الأدلجة أركون يعتبر ان القرآن أسطورة، ليس بمعنى الخرافة ولكن بمعنى انه احد بنى الوجود الأنسانى والمتعلقة بهذا الوجود مثل الحب والموت الخ وهو باعتباره واحد من هذه البنى فلديه خصائص معقولة

الأسطورة عند أركون غير مضادة للعقل، بل هى حيز معقول مثله مثل ما نُطلق عليه أسم الخطاب العقلانى، والأسطورة فى النهاية هى عبارة عن عبارات رمزية وأبنية روائية، وأركون يستخدم مصطلح قرآنى (وضرب أمثلة)، وهى للتعبير عن تجربة تاريخية لجماعة اجتماعية ما، هذه هى الأسطورة، ولهذا فان القرآن باعتباره تجلى للذات الألهية هو بهذا المعنى أسطورة، القرآن تجلى للذات الاهلية تنزع عن الجانب الدينى اى قداسة ولهذا فان الجانب الأخر من تفكير أركون انه يُريد ان ينزع القداسة عن النص الدينى، القداسة عند أركون تمت تنقيتها وتركيزها فى شخص الله فقط، وهذا هو الامر الوحيد المقدس والأسطورة تُشير لهذه القدسية / مُجرد الأشارة /، ونحن نحتاج للدين فى هذا المستوى فى حياتنا الأجتماعية
أركون لديه مفهوم تمييزى هام للغاية، فهو يتحدث عن الحدث القرآنى والذى يُشير للنصوص القرآنية فى المستوى الذى نتحدث عنه، بينما اى تجلى لهذا الحدث على مستوى الأخلاق والسياسة والفلسفة والفقه وعلم الكلام الخ هى أدلجة وأسطرة، ولهذا قعندما نُريد ان نعرف ما يطلق عليه أسم حقل التراث الحصرى نكتشف انه اى حدث حدث ينتمى لهذا التراث من عرفان وصوفية وفلاسفة وفقه وتفسير الخ، كله موجود فى هذا الحيز

وهو يعتقد أننا ان اردنا ان نقرأ هذا التراث قراءة جديدة / اذا صح التعبير /، فنحن فى حوجة لان ننزع عن هذا التراث اى ارتباطات سياسية / وهذه واحدة من الاعتراضات التى قامت على أركون فى الغرب /، لكن فى اى حيز تاريخى سوف يتم قراءة هذا التراث ؟، هذه مشكلة كبيرة للغاية، لكن هذا شرط أركون فى نزع الأسطرة عن النصوص المقدسة

القرآن عند اركون هو مُجرد معانى مُحتملة ومُقترحة على كل الضمير البشرى، والناتج لهذه المعانى المُقترحة عقائد مختلفة وفقاً للسياق التاريخى، فكل سياق تاريخى ياتى بعقيدة، لان القرآن ليس به معنى ثابت هو كله معانى مُحتملة ومُقترحة

أركون يتحدث بان اى ظهور لمجال معرفى جديد يكشف عن الا مُفكر فيه والمستحيل التفكير فيه، ظهور اى حيز معرفى جديد يعنى ببساطة أننا اصبحت لدينا القدرة على التفكير فى الا مُفكر فيه والمستحيل التفكير فيه فى وقت سابق، وبعد ظهور هذا الحيز الجديد نجد ان هناك من يتمسكون بالمستحيل التفكير فيه، وهذا هو معنى الايدولوجيا عند أركون وليس بالمعنى الماركسى، فالمعنى الماركسى هو قراءة غير منصفة لأركون مطلقاً، وهو الذى على أساسه يُمكن ان نقوم بتوصيف المشروع الأركونى كله وبدقة، أركون يُريد تقديم دعوة لقراءة الوحى كله والقرآن بواسطة الأنثروبولوجيا الألهية، بمعنى ان نقوم بأنتاج معرفة مركزها الأنسان فعلاً لكنها لا تقوم بالقضاء على الاله، بحيث اننا باستمرار نعرف هذا الاله والوحى فى سياقه التاريخى وليس فى مطلقه، الأسطورة عنده موجودة باعتبارها جزء من الخطابات ومن بنيات الوجود الأنسانى، لكن دائماً يتم الأشارة لها بالرمز فقط والبنيات الروائية اى بالمخيال، بحيث ان هذا التخييل الاجتماعى يُصبح له القدرة على توسيع العقل، وبالتالى فاننا نتحدث بان هذا التخييل الموجود فى حيز المعقول ليس مُضاداً للعقل بل بقدر ما يتوسع بالتخييل الاجتماعى فهو ايضاً يوسع التخييل الاجتماعى، وهذا هو بالضبط تلخيص مشروع أركون

أركون ليس شخصاً مُعادياً للتجربة الدينية بل على العكس يقول ان التجربة الدينية تجربة كلية وملازمة للمجتمع الأنسانى وليس هناك مجتمع أنسانى لا يقوم على مُقدس، على مُقدسات حتى العلمانية تقوم على مُقدسات، المشكلة عنده ان اى جماعة أجتماعية غير موجودة فى صور من الحيز والرموز، المشكلة ان هذا الحيز والرموز له مُديرين لادارة هذه الرموز، وكيف تتم ادارة هذه الرموز هذه هى المشكلة الكبرى، ولذلك فان موقف أركون من العلمانية فانه موقف مضاد للعلمانية المطلقة التى يُطلق عليها العلمانية ذات الأفاق الدينية، وفى نفس الوقت هو ضد الأصولية، حيث يعتقد ان العلمانية ذات الأفاق الدينية والأصولية هما منظومات معانى تسعى لتحويل ماهو محلى وتاريخى الى كلى وأسطورى ومتعالى ومُقدس، وأركون ضد اى منظومة أنتاج معانى تحول هذا المحلى والتاريخى الى مُقدس ومتعالى، ولذلك فهو يعتقد ان القرآن لا يمكن قرأته الا بنزع القداسة عنه، بمعنى ان القرآن لا يمكن قرأته الا فى سياق التجربة الأنسانية وليس باعتباره مُتعالى ومُقدس، وهو ما يرفضه فى العلمانية ويرفضه فى الأصولية، واعتقد ان هذا موقف صائب من وجهة نظرى وصحيح تماماً، صائب لانه لا يقوم بنفى الله سبحانه وتعالى
أركون يطرح وجهة نظر مُغايرة للجابرى ان الأسلام صمت عن العلمانية ليس لانه دين مُتسامى حيث ان الأسلام مثله مثل اى رسالة دينية سماوية قائمة على وحى ألهى بشرى، وبهذا فليست هناك ميزة للأسلام تجعله عصياً على العلمانية، ونتيجة انه عصى على العلمانية جاءت نتيجة لردود الأفعال المختلفة تجاه هذا الوحى الألهى البشرى، وهذه هى النقطة التى ينتقد فيها أركون الغرب كله الحديث عن العلمانية كما جرت فى الغرب فيه أستبطان لنزعة أستعمارية، كما لو ان البشر كلهم عليهم ان يسيروا فى نفس مسار تطور العقلانية الغربية، حتى ان رون هينبر يرد عليه ويقول انكم يا مفكرى العالم الثالث كلما تحدثنا معكم تقولنا لنا نزعة استعمارية وأصبحتم مثل اليهود الذين يقولون المحرقة عند اى كلام يُوجه لهم
حديث رون هنيبر فى سياق سجالى هو صحيح، لكنه فى سياق معرفى غير مقبول لان مشروع أركون لا ينتمى للحداثة بل هو ينتمى لما بعد الحداثة، ومشروع مابعد الحداثة هو الذى يقوم بأعادة الأعتبار للأسطورة باعتبارها واحدة من بنيات الوجود البشرى، مشروع أركون يرفض العلمانية ذات الأفق الدينى وفى نفس الوقت يرفض الأصولية ويعتقد اننا يجب ان نقوم بشق طريق جديد لفكر قائم على الدراسة المقارنة، وهذا الفكر يستخدم العلوم المعاصرة، علوم الأنثروبولوجيا الثقافية والأجتماعية، وأركون لا يقرأ القرآن قراءة ألسنية، والمشروع كله قائم على كيفية ادخال هذه الأنثروبولوجيا الثقافية والأجتماعية فى هذه القراءة

رسالة أركون للغرب نفسه تقول، انكم تعتقدون بالوصول لمرحلة مابعد الحداثة وتعدد الخطابات، فما هى المشكلة فى ان تكون الأسطورة واحدة من هذه الخطابات ؟، وعند الحديث عن الأسطورة فاننا لا نقوم بالتقليل من التفكير العلمى العلمانى، ولا نُقلل من التفكير الدينى، حيث اننا عندما نقول الأسطورة يتبادر الى الذهن الخرافة وهو ليس المقصود هنا

اكثر من صنع الألتباس حول أركون هو الموقف من القضية الشهيرة، قضية كتاب سلمان رشدى (آيات شيطانية)، حيث قام أركون بزيادة هذا الألتباس حيث انه وبعتباره مُفكر اسلامى تمت معه مقابلات عديدة ويبدو انه قد تراجع عن موقفه الذى كان فى البداية من سلمان رشدى، فى البداية كان لديه رد فعل عنيف حيث طلب من النقاد ضرورة تحديد هل هذه رواية ام لا ؟ وقال انه ضد اى قبليات سهلة ومختزلة، وقال انه لا يقبل مطلقاً ان تكون هناك صور ورموز مؤسسة للأسلام يتم تناولها بهذه الطريقة، وعلى الفور انطلقت عبارات الشتيمة من ان هذا الرجل أصولى أسلامى، وفى مقابلة أخرى معه بعد هذا الموقف قال انه عمل 30 عاماً فى نقد العقل الأسلامى حتى يسمح المجتمع الأسلامى بقبول كتاب مثل (آيات شيطانية) هذا خلق ألتباس ضخم جداً، لكنى اعتقد ان هذا الألتباس لديه مُبرر لانه فى المرة الثانية لم يكن يتحدث عن السياق السياسى وانما عن السياق المعرفى فى كيف يمكن للمسلمين المعاصرين أعادة التفكير فى الوضع المعرفى للوحى، وهذه الأعادة لن تكون الا من خلال كتب مثل (آيات شيطانية) تستفزهم وتجعلهم يفكرون فى الوضع المعرفى للوحى، واعتقد ان الألتباس حول أركون هو ألتباس لشخص جاء باحكام مُسبقة حول أركون وعنده تصنيف جاهز، لكن لشخص مُنصف يُريد ان يدرس هذا الجهد الفكرى لهذا الفيلسوف فلن يجد ألتباس
فكرة ان الصور والرموز المرتبطة بالتأسيس للأسلام لا يجب تناولها، فكرة فيها مشكلة فعلاً لان شخص يرغب فى نزع القداسة عن النصوص فلا يجب ان تكون هناك صور ورموز غير قابلة للمس وليس هناك ضرورة للاستثناء، وحجة أركون ان هذه الصور والرموز المؤسسة للأسلام تمس الوجود البشرى

أركون انكر صيغة ثنائية الغرب والأسلام، ويعتقد انها ضمن ثنائيات موضوع الحداثة، وكلام مابعد الحداثة ان هذه الثنائيات قامت للفصل المصطنع بين الأشياء، بين العلمانية والدين والذات والموضوعى، ومشروع مابعد الحداثة قائم على نقد هذه الثنائيات المتعارضة، ومن ناحية معرفية فان هذه الثنائيات قد سقطت، وقال ان السياسين متخلفين عن المعرفة عندنا هنا او فى الغرب نفسه ولهذا فانهم يستخدمون هذه الثنائيات رغم ان الجدوى المعرفية لها قد انتهت

أركون يعتقد ان الأسلام يُضيف للتجربة فى اوروبا بحكم الحيز التاريخى له، وهى أضافة يمكن ان تثرى الفكر الغربى أركون يعتقد ان هناك رؤية معينة ثبتت بفعل التكرار، ومشروع أركون كله يكشف هذا التكرار ويكشف الآليات التى يعمل بها وكيف انها تقوم بأنتاج القراءة والرؤية الصراطية اقول فى النهاية ان أركون لا يمكن فهمه الا فى سياق مابعد الحداثة، وهو يتكلم عن علمانية ليست مثل التى نقوم بالتفكير فيها، يتكلم عن علمانية تُعبر عن عقلانية جديدة وهى فى طور الأنبثاق من المواجهات التى تتم بين الثقافات المختلفة وانماط التفكير المختلفة، والانظمة السياسية المختلفة، وليست هناك الان مفاهيم كافية لوصف هذه العقلانية الجديدة، وأعتقد ان أركون لم يطلع بشكل كافى على النظرية النقدية حيث ان بها الكثير جداً من المفاهيم التى تقوم بوصف هذه العقلانية الجديدة

تعقيبات
أ/ محمد جيلانى
لو قمت بتوصيف مداخلة دكتور هشام، ومداخلة أستاذ غسان، أقول ان الاولى اعتمدت على القفز في أعادة سرد مشروع أركون، والثانية بشكل خفى اعتمدت مساجلة مشروع أركون والإشارة لمصادر لم يطلع عليها أركون، وبالتالي ضمناً انحراف مشروع أركون
زخم المنهج, وزخم المصطلح و التواريخ, يقوم بالتكريس لحد كبير عند المتلقي للكلام لحالة الشخصية وحالة الحقبة، ويحجب لحد كبير أعادة التفكير في المُنجز كله
هل ينتمي الدرس بشكل مُجمل عند أركون الى زمن العلم ؟ أم الفقه أو الفلسفة ؟، عند الإجابة نستطيع إن نضع شكل معرفى للمشروع الأركونى ومصطلحاته
مدخل أركون ليس معرفياً بل هو مدخل فقهي، سؤال أركون في الكتاب الاول كان حول طزاجة النص القرآني آو البحث عن طزاجة النص القرآني وأخر عبارات أركون المنشورة في حواراته كانت البحث عن أعادة التعليم، أعادة تعليم المتلقي في الشرق أو في الغرب، وبالتالي يكون السؤال عن العقل المُفكر أكثر من العقل المدرس أو العقل الناقد للحالة
ما هي نتائج أداخل النص القرآني عبر أركون الى الوعي البشرى ؟، هل تمت إضافة أم إنقاص للمشروع القرآني في جانب المعرفة به لدى الوعي البشرى ؟، في السؤال الابتدائي في البحث عن طزاجة النص القرآني وإعادة تفسيره فان هذا يُدرج أركون إجمالا فى المشروع الفقهي والمشروع التفسيري
لكن حول النتائج التي سقطت على المشروع الديني في الشرق او الغرب فاننى اتفق فيها مع دكتور هشام فى ان نقد الاستشراق عند أركون ونقد الأصولية هي حالة موازنة بين الشرق والغرب
الحالة التفسيرية وما استخدمته من المصطلحات، قادت إلى انجاز عدد من المصطلحات قد يكون فيه إضافة لما نملكه من أدوات البحث أكثر من النتائج المُحددة، ويتم طرح سؤال متى خرج أركون من المصطلح القرآني الى المصطلح الفلسفى ؟ نجد مثلاً مصطلح (علم) فى النص القرآنى و (علم) فى المشروع الغربي، هل تمت مقارنة على مستوى اللغة وعلى مستوى الاركولوجيا ؟، نحن هنا إمام أزمة تلقائية بين أصول المصطلح والبحث فيه ومفهومه الخ، وهى أزمة ابتدائية حيث ان مفهوم (العلم) تمت مصادرته فى المشروع الغربي لإرهاصات المشروع الفقهي الاسلامى
وأقول انه لا يمكن الدخول فى مشروع للتسوية المعرفية دون الخروج من الجزئيات، مشروع مابعد الحداثة فى تعدد الخطابات هو مشروع ينتمي للبنيوية وامتداد لها
مشروع أركون يساوى صفر فى أفقه وأسئلته المركزية فى البحث عن طزاجة القرآن وأعادة قراءة هذه المفاهيم، وبالتالى من الممكن ان يكون ارباك للمشروع الغربى فى أعادة التفكير فى مصطلحاته وخلافه
د بكرى خليل :-
سوف أقوم بطرح خطوط عامة، في تصورى ان أركون لم يخرج تماماً من أشكالية التراث والمعاصرة بالرغم من الاجتهاد في النقطة التي طرحها دكتور هشام، حيث اننى لا اعتقد ان أركون كان يُحاور نفسه أو يُحاور بيئته التي هاجر إليها، هو تعلم في الجزائر حتى المرحلة الجامعية وهناك حدث له التكوين ثم بعد ذلك انتقل الى أوروبا، ثم انه أستاذ الفكر الاسلامى في السوربون
احد المفكرين العرب وهو الصديق مطاع صفلى قال لي ذات مرة بأنه هو ومحمد عابد الجابرى وأركون، قد اتفقوا على مشروع يتمثل فى ان يتناول كل منهم جانباً من جوانب نقد العقل، فقام هو بمهمة نقد العقل الغربي والجابرى نقد العقل العربى وأركون بنقد العقل الاسلامى
نجد ان كتاب أركون الاول هو نقد العقل الاسلامى وفى الترجمة أصبح أسمه تاريخية الفكر الاسلامى، الرجل منذ البداية كان يُفكر في هذه الإشكالية، وعندما نُعالج موضوع التراث والمنهج عند أركون فربما تلمسنا بعض النتائج التي تؤدى الى خلاصات مُنتجة حول تراثه
أركون يعتقد ان التراث قد تم توظيفه توظيفاً ايدولوجياً وسياسياً، بمعنى كفاحياً ونضالياً ولم يُوظف ثقافياً ومعرفياً، لكن هل هذه هي الإشكالية الأساسية ؟، هل أشكالية التراث ثقافية معرفية ؟، أم أشكالية تاريخية ؟، لان أركون نفسه يُركز على تاريخية الفكر الأسلامى أو الرغبة في العودة التأسيسية للإسلام وانتزاع القداسة عن هذه التجربة التأسيسية
أركون يطرح ان الطور الذي امتد حتى مشارف القرن الخامس قد شهد أنتاج فكرى أسطوري وان الإنتاج العقلي في الإسلام قد تم في هذه المرحلة وكذلك العلوم وانتعاش جوانب الحضارة العقلانية، وينبغي التحليل عن لماذا وقف هذا الإنتاج هناك وحدث الانقطاع، وانا أتصور ان السبب سبب تاريخي وليس معرفى، سبب تاريخي يتعلق بالمتغيرات التي كانت تتم في المجتمع الاسلامى في ذلك الوقت والتدخلات الخارجية ووصل الفقهاء الى قفل باب الاجتهاد إيثارا للوحدة ومنعاً للفتنة والتفتت، وهذا يأتي في وقت الهجمات الخارجية، وكذلك بروز الإقطاع العسكري لأول مرة نتيجة العوامل الداخلية في قلب ومراكز هذه الحضارة
الجانب التاريخي جانب مهم، فلماذا يذهب بنا أركون وفى هذا الزمان الى عدم توجيه التراث توجيهاً نضالياُ وايدولوجياً ؟، مع أهمية ان يكون التراث مادة للنهضة المعرفية والتحرر العقلي
السؤال الأخر عن علاقة المعرفة بالإيمان، هل يمكن لتراث بأكمله يدور حول محور الوحى ان يضع الوحى نفسه موضع نقد ؟، وكيف ؟، هل هذا الوحى من طبيعة واحدة أم من عدة مستويات ؟، ما الذي نُريده بالضبط من نقد الأصول خاصةً تجربة الوحى بعد ان تحول من الخطاب الى
النص ؟ هذه أشكالية
صادق جلال العظم ذهب في النقد مذهب معين، محمود محمد طه ذهب في النقد في موضوع الشريعة واجتهد، لكن لم يكن هناك مثل أركون من ذهب مباشرةً لفتح حوار صراعي مع منطوق الوحى نفسه، وهذه هي أهمية أركون بصرف النظر عن قبولنا بهذا أم لا، فهل يمكن لهذه المنهجيات
والأدوات المفاهيمية الكثيرة والمتناثرة في تراث وأدبيات أركون ان تمنحنا شخصية نقدية مُوحدة ؟، هل منهج أركون هو منهج تلفيقي أم منهج مُوحد لا يقوم بتحويل الفكر الى ساحة شعارية فيها العموميات وعدم التماسك ؟
الى حد كبير فان قارئ أركون سوف يواجه مثل هذه الهنات والمصاعب، أحيانا هو يتحدث لرفع أغطية الأسطرة عن تاريخنا وعن هذه المرحلة التي تم اصباغ القداسة عليها، لكنه فى نفس الوقت يُدخلنا فى مأزق، وهو يستشهد بان القرآن نفسه يُميز بين أساطير الاولين وبين القصص والعبر التاريخية الغابرة
هناك مُفارقة فى استخدام المنهجيات المتعددة، والنطق أحيانا بألسنة منهجية مختلفة، علاوة على هذا
هل يُمكننا ان ننقد هذه التجربة بالمقدسات وبما هو ازلى من العناصر فيها، وماهو زمنى ودنيوي من عناصر ؟، خاصةً وان هذه الساحات لم تكن كلها ساحات سجوع بالحقيقة الإلهية !، بل بالعكس فى ظل الحجاج الفكرى منذ القرن الثاني الهجري، كانت أمهات قضايا العقيدة الإسلامية ومنذ التوحيد ساحةً للأخذ والعطاء
هناك جوانب معينة لا تستطيع المنهجية المعرفية ان تُعالجها معالجة نهائية بالحُجة والبرهان العقلي، وكل هذه الإشكاليات والأسئلة حولها لا تقوم بالتقليل من قيمة هذا المُفكر الكبير
النقاش جيد , نشكر المتحدثين والمركز والحضور , وقضية النقاش سوف تستمر ولن تتوقف , اشكركم جداً.[/fusion_text]