توضيح

نشرت جريدة التيار ست حلقات متتالية من هذه السلسلة وتوقفت عند الحلقة السابعة، فكانت كالخادم التي طحنت الأردب وهربت عندما تبقت منه ملوة واحدة كما يقال في المثل السوداني، وقد لقيت هذه الحلقات كثيراً من الاهتمام من القراء الذين اتصلوا بي متسائلين، وإتهمني الأستاذ عثمان ميرغني رئيس التحرير في محادثة تلفونية بالإسهاب ، وقال الكلام نفسه الذي يتردد في الوسط الصحفي حول عصر السندوتشات وصحافة السندوتشات والتسطيح والتغبيش والتشويش من الذين يريدون احتكار الصحافة باسم المهنية والقيد الصحفي لأسباب ذاتية وغير موضوعية، وليس للصحافة مهنة سوى الحق والحقيقة، ويخون الصحفي شرفه المهني عندما يخون الحقيقة، ولا يحتاج ذلك إلى ميثاق مكتوب، فالصحافة كسقراط عندما قال:إن مهنته إزعاج الناس لكي يستيغظوا، ويشير كاتب العمود إلى المشكلة لكنه لا يستطيع أن يعالجها أما المقال الصحفي فمشروع بحث يستفيد منه الباحثون. وقد نشرت بأجراس الحرية أربعين حلقة للإجابة على السؤال المفصلي كيف ولماذا نحن في هذا النفق المظلم والمصير المجهول ومن المسئول؟ متناولاً الوقائع والمواقفوالأحداث من مؤتمر جوبا في عام 1947م إلى عهد الإنقاذ

أنا مواطن سوداني يرى وطنه يتمزق قبل أن أكون كاتبا صحفياً ولا استطيع أن أكون محايداً ، فأنا أحلل الوقائع والمواقف والأحداث في الزمان والمكان للحكم على القوى التي تصنع الأحداث لأن هدفي كما قال سقراط : هو التوعية، وأحاول أن اجتذب القراء وأجبرهم على قراءة المقال حتى آخر سطر، وأتجول بهم في بطون الكتب وأعماق التاريخ وهو يكرر نفسه، والتاريخ في القرآن الكريم عظات وعبر، فيجد القراء عندي المعلومة والفكرة والمتعة الذهنية أيضاً، وألجأ إلى الأمثال والحكم المأثورة ، والأمثال كبسولات تضع فيها الشعوب خلاصة تجربتها الحياتية، وتُضرب الأمثال في القرآن الكريم لتقريب المعنى ، وقال عثمان سنادة مستشار التحرير بجريدة الرأي الآخر : إنه لا يحس بالملل من قراءة مسوداتي ، ولدي الكثير من القراء المدمنين، ويواظب النابهون في الوسط الصحفي على قراءة مقالاتي للاستفادة من ذاكرتي فأنا ربع قرن في بلاط صاحبة الجلالة وشاهد على العصر

ربما تعرض عثمان ميرغني في التيار للضغط والتهديد بالحرمان من الاعلانات، ولولا إصرار الدكتور قاسم نسيم لما لجأت إلى جريدة رأي الشعب لنشر بقية الحلقات فقد أحسن الظن في رأي الشعب ، وهو من أولاد النوبة وشباب الحركة الاسلامية الذين قاتلوا في الجنوب لكنه سرعان ما ارتد عندما إتضح له أن الانقاذ حركة عنصرية تتخفى في عباءة الاسلام، وأنها للسلطة والمال والجاه والنفوذ وليست لله وخير البلاد والعباد كما يزعمون، وقد ارتد الكثيرون هرباً بدينهم، ومن أعجب الاعاجيب إن مدير التحرير قال إنه لا يعرف شيئاُ عن كتاباتي من الأيام في الديمقراطية الثالثة وفي عهد الانقاذ والرأي الآخر والأضواء وأجراس الحرية، وكذلك لا يعرف شيئاً عن الحلقات الست الأولى التي نشرتها جريدة التيار، وكانوا في معامل الكراهية الدينية والعرقية المركبة يفتون لتلاميذهم بأن قراءة الايام والميدان حرام، وقال إن في السودان أربعين صحيفة لكن صفحات الرأي التي تستحق الذكر في الصحافة السودانية محدودة الغاية، فكيف يتفاعل هؤلاء مع الوقائع والأحداث والرأي الآخر

أعاد إليِّ الطيب إبراهيم عيسى حلقاتي معتذراً وعليها تعليق بالقلم الأحمر وتعليمات إلى مدير التحرير جاء فيها أن الكاتب كما يبدو من الجمهوريين وهذا شرف لا أدعيه لكنني كما قال سقراط أحب أفلاطون لكنني أحب الحقيقة أكثر ، ومن ذلك توجيهات بشطب إشارات غير مبررة إلى القرضاوي والطيب مصطفى وبيني وبينهما المواقف والأقوال والأفعال ، فأنا لا آتي بشيء من (((((((عندياتي)))))) ولا أتجنى على أحد، والترابي أول وآخر من قال بأن المرحلة القادمة للوطن وليس للمكاسب الحزبية الضيقة، ولا يكون ذلك إلا بالرأي والرأي قبل شجاعة الشجعان كما قال أبو الطيب، ولولا الهوة بين الترابي وحيرانه لوجدت أمامي في رأي الشعب الزملاء من فرسان أجراس الحرية كالقراي ومحمد جلال هاشم وناهد محمد الحسن. فقد أحسن الدكتور قاسم نسيم الظن في رأي الشعب مثلما أحسنت الظن في التيار

عبد الله محمد أحمد الصادق

الي المقالات في الصفحه التالي

فقد دفع السودان والسودانيون الثمن غالي