منظومة النظام العام والتحرش بعموم الشعب متى نقتلع مسمار حجا من بيوتنا؟

منظومة النظام العام والتحرش بعموم الشعب متى نقتلع مسمار حجا من بيوتنا؟

-تُهَم الدعارة يمكن أن تُوجه لأي فرد منا. لا أحدٌ بِمَنْجَى عنها على الإطلاق
-هذه التُّهم يجب ألا تُرهِب الناشطين والناشطات. ويجب ألا تؤثر على أسرهم
-إشانة سمعة المناضلين والمناضلات هدف أساسي لمنظومة النظام العام

كتبت مقالا قبل حوالي أكثر من شهرين عن تَحَرُّش وكيل النيابة المدعو عبد الرحيم الخير الحسن بالناشطة والمدافعة عن حقوق الإنسان ويني عمر. وكيف أنه فعل ذلك مستغلا وظيفته التي لا يملك من مؤهلاتها الفنية والأخلاقية ولا شَرْوَى نَقِير. ولولا أننا نعيش عهد التمكين المتطاول، الذي انقلبت فيه موازين القيم رأسا على عقب، حتى شهدنا فيه بأم أعيننا “تقديم الذيل على الرأس”، “وبقاء الجحش على الكرسي”، لما أصبح مثل هذا الغَثّ الغُثَاءَة وكيلا للنيابة. وكذلك أوضحنا أنه استغل منظومة النظام العام ليمارس انحرافاته وأمراضه الجنسية. وكان مما قلنا “هذا رجل تافه ومنحرف، وجد فرصته في قانون تافه ومنحرف، أنتجته أنفس تافهة ومنحرفة، ليتحرش بفتياتنا ويخوض في أعراضهن”.

لم يمض طويل وقت قبل أن يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى في صورة زميله وصديقه وديد رمضان وكيل نيابة قسم المقرن. فكأن عبد الرحيم الخير عاد في صورة زميله لينتقم لنفسه ضد ويني لأن المحكمة في المرة السابقة وجدتها بريئة وأسقطت عنها تُهَمَه التي وجَّهَها لها. وفوق ذلك فأن المحكمة ذاتها وجدته هو متلبسا بالترصد بها.
تلك إذن قضية واضحة. هو أوقفها دون مُسَوِّغ سوى التحرش بها. ولما لم “تتجاوب” معه ساقها للمحكمة. ونسبة لغبائه وضعف مهنيّته، واعتماده الكلي على مطاوعة القضاء للسلطات التنفيذية، خسر القضية أمام المحكمة. خسرها لأنه ليست هناك شبهة قضية أصلا، وإلا لما ترك موضوع الزي الفاضح ليتحدث عن مشيتها (الما عاجباه). هذه كلها وقائع وحقائق موضوعية حدثت بالفعل.

رابط الورقة ادناه:

Download (DOCX, 17KB)

منظومة النظام العام والتحرش بعموم الشعب متى نقتلع مسمار حجا من بيوتنا؟

نحو حركة حقوق مدنية سودانية

 

 

  • هل يوجد شعب نُكِب بحكومات لا يستحقها مثلما نُكِب شعبُ السودان؟
  • أنشأ الإخوان المسلمون نظاما أسوأ من نظام الفصل العنصري
  • النظام مستعد لفعل أي شيء يطيل عمره إلا شيئا واحدا وهو أن يتصالح مع شعبه
  • المقاومة المدنية السلمية تحقق للشعب تفوقا أخلاقيا من الوهلة الأولى

مقدمة

هذه دعوة موجهة للمجتمع المدني السوداني، وللناشطين السياسيين الذين لا يرغبون في تسنم مناصب سياسية في الحكومة، ولعموم الشعب، لبناء حركة حقوق مدنية على غرار حركة الحقوق المدنية الأمريكية، ذات ديمومة لكي ما تُحرِز حقوق الشعب المدنية، المهضومة بواسطة جميع الحكومات، ثم تَحرِس تلكم الحقوق المكتسبة.

لا أعتقد أن هناك شعب نُكِب بحكومات لا يستحقها governments they do NOT deserve مثلما نُكِب شعبُ السودان. فقد رمته الأقدار بين فكي الطائفية والجيش. الأولى تستغله، والثاني يقهره. كما أنه أبتلي بحركتين متخلفتين شريرتين وغريبتين عن إرثه الروحي هما حركتا الأخوان المسلمين والوهابية أصابتاه بكل أنواع التَّشَوُّهات النّفسِية، والتَّقَيُّحات الروحية، والخسائر المادية والمعنوية. ويكفي أن حركة الأخوان المسلمين سلبته قرابة الثلاثين عاما من عمره حطَّمت خلالها جميع مكتسباته، وسرقت كل موارده، وأشبعته ظلما وفقرا وقهرا وهوسا وغثاء، حتى صار من أكثر شعوب الأرض بؤسا وحزنا وكآبة. والشاهد أنه ما من حكومة مرَّت عليه إلا وتغولت على حقوقه في السلام والتنمية والرفاهية وهضمتها. الحكومات الطائفية تُسلِمهُ للعسكر كاللقمة السائغة، فتجثم هذه على صدره العقود الطويلة وما إن ينتفض عليها ويطرحها جانبا حتى تعود الطائفية باسم الديمقراطية والانتخابات الحرة. فيلتهمها العسكر قبل أن تتم عامها الرابع، وهكذا تدور الدورة الخبيثة. لذلك وجب أن تنهض حركة حقوق مدنية تنتزع حقوق المواطن وتحرسها.

ماذا نعني بحركة الحقوق المدنية

تعبير حركة الحقوق المدنية مستمد من التجربة الأمريكية ونضال الأمريكان السود ضد سياسة الفصل والتمييز العنصري في خمسينات وستينات القرن العشرين. بعد إلغاء الرق قُبَيْل وأثناء الحرب الأهلية الأمريكية ١٨٦١-١٨٦٥، رزح العبيد المحررين وجميع السود في أمريكا تحت نظام صارم للعنصرية المؤسسية تشكله مجموعة متكاملة من القوانين التي تحرم السود من حقوق أساسية كثيرة. وكان التناقض كبيرا بين هذا الوضع العنصري وبين إعلان الاستقلال الأمريكي التي تقرر ديباجته أنه من الحقائق البديهية “إن جميع البشر خُلِقُوا متساوين، وأنهم وُهِبُوا من خالقهم حقوق غير قابلة للتصرف، وأن من بين هذه الحقوق حق الحياة والحرية والسعي وراء السعادة“. فالهُوّة الفاصلة بين القوانين التمييزية ووثيقة إعلان الاستقلال الأمريكي كانت هائلة. ردم هذه الهوة شكل مضمار نضال السود الأمريكان الذين طرحوا على أنفسهم السؤال المحوري: كيف ننطلق من هذا الواقع البائس لنصل لمستوى المساواة التي يتحدث عنها الإعلان. تشكلت العديد من التنظيمات والمجالس ومجموعات المساعدة الذاتية وأعضاء الكنائس السوداء في طول وعرض الولايات المتحدة وبدأوا التنظيم. بلغت الحركة أوجها في الخمسينات والستينات من القرن الماضي حيث استلهم قادة الحركة أمثال مارتن لوثر كينج أساليب النضال السلمي ضد الاستعمار الانجليزي بقيادة المهاتما غاندي والتي يمكن تلخيصها في عبارة واحدة هي ”إدارة الظهر“ للسلطة الاستعمارية. وضمن الآليات التي استخدمها غاندي عدم التعاون مع السلطات (أي العصيان المدني) والمقاطعة الاقتصادية والتفوق الأخلاقي على الخصم، وإحكام الحصار على ضمير السلطة الاستعمارية في الهند ومن ورائها الشعب الإنجليزي كله. أما الأساليب والتكتيكات التي استخدمتها حركة الحقوق المدنية الأمريكية فتمثلت في المسيرات والعصيان والمقاطعة الاقتصادية ورفع القضايا القانونية.

في تاريخنا الحديث إبان ثورتي أكتوبر وأبريل، استخدمنا أساليب مثل الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات والعصيان وحصار المؤسسات الحكومية مثل جهاز الأمن، واقتحام السجون وتحرير السجناء السياسيين.

فالمقاومة المدنية السلمية تحقق للشعب تفوقا أخلاقيا من الوهلة الأولى. وتحاصر ضمير الحكومة وقاعدتها وتزرع فيهم الإحساس بالذنب وتدق إسفينا بينها وبين مؤيديها. يتنامى هذا الشعور بمرور الوقت وتزيد حدته كلما أوغلت السلطات في استخدام العنف.

هل نحتاج نحن السودانيين لحركة حقوق مدنية؟

الإجابة نعم.  إن تجربتنا عقب أكتوبر ١٩٦٤ وأبريل ١٩٨٥ تؤكد على هذه الإجابة.  فقد انصرف الشعب من الشارع فور إعلان النصر. توقَّف عن الفعل وتبددت وحدته. وهذا ما أغرى به الحكومات التي لا تشعر بأنها مدينة له بشيء، فلم تجعل أمنه وتنميته ورفاهه أولوية. أما الآن تحت قهر الإخوان المسلمين فإن الحاجة لمثل هذه الحركة ضرورة مطلقة.

فقد أنشأ الإخوان المسلمون نظاما هو الأقرب لنظام الفصل العنصري في أمريكا والأبارتيد في جنوب أفريقيا. فالمشترك بين نظامهم ونظم الفصل العنصري الأخرى هو:

أولا، العنصرية المؤسسية: أسس الإخوان المسلمين حكمهم على التمييز المركب: تمييز عنصري ضد العناصر غير العربية، وتمييز ديني ضد غير المسلمين، وتمييز إيديولوجي ضد المسلمين.

ثانيا، العنف المطلق: رسخ الإخوان المسلمون حكمهم عن طريق العنف والقهر وإشعال الحروب. استرخصوا الحياة البشرية لدرجة لم يعد يهز ضمائرهم إزهاقها بالجملة. لذلك كان طبيعيا ألا يهمهم عذاب الشعب، ولا يؤرقهم فقره ومرضه وشقائه، ما داموا هم وحدهم في نعيمهم يرفلون.

ثالثا، حكم الأقلية التي تحتل الأغلبية: يمثل الإخوان المسلمون أقلية ضئيلة احتكرت السلطة والثروة والمزايا بينما دفعت بالأغلبية المطلقة من الشعب إلى هامش الوجود، واضطرتهم إلى أضيق الطريق، وجعلت عيشهم في تضاؤل وانكماش مستمرين.

رابعا، استخدام النظرية الراسخة في الإرث السياسي الاستعماري ”فرق تسد“: وهي استخدام السلطة والثروة وإعطاء الامتياز أو حجبه لشق صفوف التنظيمات السياسية، وإضعاف المجتمعات المحلية، وضرب بعضها بالبعض الأخر، وإثارة الفتن والحروب بينها، وربطها جميعا بحبال سرية بمراكز السلطة تشعرها على الدوام بالحاجة للاستقواء بالحكومة ضد خصومها، فيتبارون في إظهار الولاء لها، أو على الأقل ينشغلون بصراعاتهم عنها.

خامسا، استخدام النسخة السودانية المعدلة من نظرية فرق تسد، والمُعَبَّر عنها بالتعبير العنصري ”أضْرُب العَبِد بالعَبِد“: وهذه تقابلها نظرية ”عبد الحقل وعبد المنزل“ التي استخدمها ملاك العبيد الأمريكان والتي وصفها مالكولم إكس بقوله: ”عبد المنزل يلبس مثل سيده. ويسكن في طرف قصي من منزل السيد، ويأكل ما يلقيه إليه السيد من فتات طعامه. وهو يتماهى مع سيده لدرجة أنه يفرح لفرحه ويحزن لحزنه. فإن مرض السيد يقول عبد المنزل لقد مرضنا (أو يقول لسيده بعد الشر عليك ٠:). وعبد المنزل يحمل سوطه ويذهب ليشرف على عبيد الحقل، وهم الأغلبية طبعا، هؤلاء الذين إذا علموا بمرض السيد ابتهلوا لله ألا يشفى منه، وصَلُّوا لأجل أن يموت السيد في مرضه ذاك“.

وبمقارنة بسيطة نجد للإنقاذ من يمكن أن نطلق عليهم عبارة ”عبيد القصر“. وهم أفراد ينتمون للمجموعات التي تصفها الإنقاذ بالعبيد، وتقول على لسان رئيسها إذا اغتصب جعلي واحدة من نسائهم يجب أن يفخروا بالاغتصاب بدل أن يحتجوا عليه. هؤلاء الأفراد أعطتهم الإنقاذ المناصب الوزارية وألقت إليهم فتات طعامها ووظفتهم ضد الأغلبية من أهلهم، فما أشبههم بعبيد المنزل.

سادسا، استخدام القوانين القمعية التمييزية: وهنا يبرز الفرق الطفيف بين النظامين. فبينما تستخدم نظم الفصل العنصري التشريعات والقوانين لترسيخ دعائم مجتمع الفصل والتمييز العنصريين، يتأسس التمييز في نظام الإخوان المسلمين على الممارسة العملية. فهم يعتمدون على القوانين القمعية التي تكثر فيها العقوبات الوُحْشِيَّة الحاطَّة من الكرامة البشرية، مثل الجلد والقطع والإعدام. والإكثار من عقوبة الجلد بخاصة لا يهدف فقط لإذلال المدان وتمريغ كرامته في الوحل، بل يهدف أيضا لكسر مروءة الشعب الذي يشهد هذا العذاب، وترويضه على الرضى بالمهانة.

وعلى الرغم من أن القانون في ظاهره لا يحتوي على صياغات تمييزية ويبدو وكأنه ينطبق على الجميع، إلا أنهم في الواقع لا يطبقونه بالتساوي. فهم كطبقة حاكمة يضعون أنفُسَهُم وذويهم فوق القانون، بينما يسلطونه على معارضيهم وعلى الشرائح الفقيرة من المجتمع. يفعلون ذلك على الرغم من أنهم يكادون يمزقون حلاقيمهم زعيقا بحديث النبي الذي وردت فيه عبارة “لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها”. وقد أثبتت التجربة العملية على مدى عقود أنهم كاذبون. فهم أهل الظلم بامتياز. ونظامهم القضائي رهن إشارة سلطتهم التنفيذية وأجهزتها القمعية، من أمن وجيش ومليشيات وشرطة. وقائمة المظالم القضائية طويلة بطول عهدهم الجائر بدءا بمجدي محجوب، والطيار جرجس، الّذَيْن أُعدِما ظُلما، وليس انتهاء بالطلاب محمد بقاري وعاصم عمر الذين حكم عليهما بالإعدام مؤخرا.

أما من الجانب الآخر، وعندما يكونون هم المُتَّهَمُون بالقتل أو الشروع فيه فبراءتهم مضمونة.  فقاتل عوضية عجبنا طلع براءة. وأشقاء نافع المُتَّهَمُون بقتل أحد الرعاة خرجوا مثل الشعرة من العجين، بعدما أوجدوا لهما كباش فداء. وقاتل سارة عبد الباقي طلع براءة، فهو أيضا في الشرطة. وقتلة طلاب جامعة الجزيرة الأربعة الذين أُلْقِيَت جُثَثُهم في إحدى ترع المشروع لم تحاول الشرطة حتى أن تتظاهر بأنها تبحث عن قَتَلَتِهم. فهم معروفون مُحصّنون موفورون، يقتلون من شاءوا كيف شاءوا وأينما شاءوا. وقَتَلَة الطَّالِبَين علي أبكر ومحمد موسى لم يَعثُر عليهم أحد. والذين اعتدوا على الصحفي عثمان ميرغني تبخروا في الهواء. والذين اعتدوا على المهندس أحمد أبو القاسم غاصت بهم الأرض. هذه نماذج قليلة لقضايا فردية دون التطرق لذكر الجرائم الكبرى، كحروب الإبادة في جنوب البلاد ودارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. ودون ذكر لبيوت الأشباح وأهوالها، وقتلة الطلاب في معسكر العيلفون، وقتلة المتظاهرين السلميين في كجبار وبورتسودان، وقتلة شهداء سبتمبر الذين قنصتهم مليشيات الحكومة بالمئات ثم لاذت بالصمت. فهذا نظام إبادة جماعية، ونظام فصل عنصري ديني إيديولوجي وليس فقط عنصريا كما في جنوب أفريقيا وأمريكا سابقا. يضاف إلى ذلك أنه أشد مُكْرَا منهما لأنه لا يُشَرِّعَه قانونا ولا يعتَرِفُ به، بل يُمارسُه بيديه ويُنكره بلسانه.

الثورة السودانية

أنجز الشعب ثورتين سلميتين أطاحتا بدكتاتوريتين عسكريتين في أكتوبر ١٩٦٤ وأبريل ١٩٨٥. وعلى الرغم من كونهما أحدثتا التغيير السياسي، إلا أنهما لم تحققا التأسيس الديمقراطي ولا النمو الاقتصادي ولا التغيير الاجتماعي. ولعل من أكبر أسباب هذا الفشل، كما أشرنا أعلاه، هو أن الشعب الثائر انصرف من ساحة الفعل بعد تحقيق التغيير السياسي مُخْلِيا المكان للأحزاب السياسية، وأضاع وحدته قبل أن يحصد شيئا من ثمار ثورته التي لم يسهر على حراستها. وكذلك لم يؤسس من التنظيمات العابرة للأحزاب، أو التنظيمات فوق الحزبية، لكي ما يجعل منها رقيبا للحكومة وحارسا لحقوقه وحرياته.

إن العمل من أجل تأسيس حركة حقوق مدنية بالسودان ضرورة تَقْتَضِيْهَا الظُّروف الموضوعية المحيطة بالبلاد، وبخاصة أوضاع الشعب المعيشية، وضَعْف الخدمات الصحِّية والتعليمية، وأوضاع العمل السياسي والمدني والإعلامي المحاصرة بسلسة من القوانين القمعية، والممارسات الأمنية المقيدة للحريات كاعتقالات النشطاء، وتعذيبهم، وسوقهم للمحاكم الكيدية، وإغلاق منظمات المجتمع المدني، والتضييق على الأحزاب السياسية، وتدمير استقلال القضاء، وتحويل البرلمان وغيره من المؤسسات السيادية إلى ألعوبة مضحكة في يد الرئيس والحِفْنَة التي تَتَحَلَّق حوله.

وقد نجح النظام في اختراق المجتمع الدولي، أو العكس، للدرجة التي جعلته، على سوء سجله، أكثر نفعا وأقل كُلْفَة. فالنِّظام بعد أن بدَّد أموال البترول، وأخفى أموال الذَّهب، وباع الأراضي تحول إلى مُقَدِّم خدمات لمن يطلبها (provider service)

فهو يقدم خدماته للاتحاد الأوروبي في الحَدِّ من الهِجْرة و”محاربة الإرهاب”!! ويُقَدِّم خدماته للسُّعوديين بتوفير مقاتلين لهم في حربهم في اليمن. ومستعد لبيع المزيد من المعلومات الاستخبارية للأمريكان من أجل رفع العقوبات الاقتصادية. وهو يستفيد من أزمة الهجرة في أوروبا التي جعلت حكوماتها تضطر للتعامل مع الحكومات الفاشلة وتغض الطرف عن تعارض ذلك التعامل مع القيم الأوروبية والإرث الحقوقي والديموقراطي والأخلاقي الإنساني العالمي الذي كان عزيزا عليها.

فالنظام مستعد لفعل أي شيء يطيل في عمره إلا شيئا واحدا وهو أن يتصالح مع شعبه ويُصلح من أمره. فقد أوغل في القهر والظلم حتى أصبح أسيرهما، يستحيل عليه الاستمرار من دونهما. بل صار القهر والظلم هوية النظام، وجهه وعنوانه، والساقين التي يسير عليهما واليدين اللتين يبطش بهما. فهما هو وهو هما.

نحن إذن في حاجة لحركة حقوق مدنية ذات ديمومة، تعمل على انتزاع حقوق الشعب واحدا بعد الآخر. وعندما يتنامى فعلها لدرجة إحداث التغيير السياسي، تستمر الحركة في حراسة ما تحقق من حقوق وتعمل من أجل إحراز المزيد منها. كما تظل رقيبا على أعمال السلطة التنفيذية، تساعدها عندما تصيب وتعارضها عندما تتغول على الحقوق.

مقاومة الإنقاذ

لم تنعم حكومة الإخوان المسلمين بالاستقرار أو القبول من الشعب منذ انقلابها في العام 1989 وإلى يومنا هذا. بل بالعكس ظل الشعب ينظر إليها كالشوكة في خاصرته، وكقوة احتلال غاشمة. وظلت هي تنظر للشعب كأكبر مهدداتها. لذلك لم تتوانى في قتله وقهره وإذلاله وتدمير طاقاته وقيمه وأخلاقه. ولم يتوقف الشعب عن مقاومتها. وبالرغم من أن مقاومة الشعب لم تنجح بعد في اقتلاعها، إلا أنها أضعفتها وأجبرتها على تغيير جلدها مرات عديدة.

بلغت المقاومة أوَجَها بالعصيانين الّذَيْن نظَّمَتْهُما مجموعات من الشباب عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي في ٢٧ – ٢٩نوفمبر و١٩ ديسمبر ٢٠١٦، وكذلك الغضب الذي عمَّ الشعب بعد إجازة ميزانية ٢٠١٨، والذي عبر عنه بالمسيرات السلمية التي انتظمت البلاد. حققت هذه الاحتجاجات درجة كبيرة من الوحدة الشعبية، وزلزلت كيان الحكومة.

تقييم العصيانين

من الملاحظ أن عصيان نوفمبر كان أكثر صمامة من عصيان ديسمبر وأُعْتُبِر الأكثر نجاحا رغم طول فترته. ولعل ذلك، إن صحَّ، يعود لوضوح الهدف وبساطة الرسالة في عصيان نوفمبر، وهي إلغاء القرارات الاقتصادية. أما في ديسمبر فقد اختلف الناس حول الهدف من العصيان وحول عدد أيامه. فهناك من رفع السقف ليصبح إسقاط النظام، وهناك من يريد أن يظل الهدف هو إلغاء القرارات الاقتصادية. أيضا تلازم مع رفع السقف لإسقاط النظام سؤال البديل. وردد البعض المقولة المفخخة ”عايزننا نسقط النظام عشان يجينا فلان وعلان“. ومضى البعض بهذه الفرضية غير المفحوصة لنهايتها المنطقية فأعلنت إحدى مجموعات العصيان عن تكوين حركة سياسية تحت عنوان ”حركة ٢٧ نوفمبر“. ونحن لا ندري عن الكيفية التي تكونت بها الحركة، وأين عقدت جمعيتها العمومية، ومتى ناقشت رؤاها السياسية، وكيف انتخبت قيادتها؟ وكلها أسئلة بالغة الأهمية، ولكن الأهم من ذلك هو تحليل المغْزَى الذي تشير إليه هذه التجربة، أي محاولة تشكيل حركة سياسية بهذه الطريقة. فما هو هذا المغزى؟

المغزى

أ. انعدام الثقة في الأحزاب السياسية، وعدم ائتمانها على المحافظة على النظام الديمقراطي بعد ميلاده.

ب. رسوخ فكرة أن إحداث التغيير الايجابي وتحقيق مكاسب للمجتمع لا يتم إلا عن طريق الجلوس على كراسي الحكم.

ج. ضمور فكرة أن الشعب يمكن أن يحقق مكاسب حقيقية وأساسية في ظل أي حكومة، حتى في ظل حكومة احتلال غاشم مثل حكومة الإخوان المسلمين هذه.

د. العجز عن النظر الاستراتيجي لمجموعات العصيان كمجموعات ضغط تستمر لما بعد اسقاط النظام. لذلك تكونت حركة ٢٧ نوفمبر تَهَيُؤا لتأمين نصيب قادتها في السلطة القادمة.

مزايا الحركة

إذا تشكلت من مجموعات العصيان وبقية التنظيمات المجتمعية وقوى التغيير في البلاد حركة حقوق مدنية ذات ديمومة، لها رؤية واستراتيجية وأهداف، فسوف تكون لها فرصا كبيرة للنجاح تتمثل في الآتي:

أ. سوف تتفادى الحركة مزالق الأسئلة المفخخة، من شاكلة من هو البديل. فهي ليست حركة سياسية، وليس لها طموح سياسي، ولا تريد أن تحكم، ولا تعمل مباشرة من أجل إسقاط النظام، إلا عندما يتراءى ذلك في الأفق. وستستمر في عملها وحملاتها حتى بعد إحداث التغيير وتصبح رقيبا وحارسا لحقوق الشعب جميعها.

ب. وبطبيعة الحال فإن كان من بين المجموعات المكونة لحركة الحقوق المدنية من له طموح سياسي، فسيجد الفرصة لممارسة نشاطه من خلال انضمامه للأحزاب القائمة، أو من خلال إنشاء أحزاب أو حركات سياسية جديدة بالطرق المعلومة.

ج. حركة الحقوق المدنية حركة مجتمعية، تعمل من أجل المساعدة الذاتية، وتحسين وتطوير حياة المواطنين المادية والمعنوية، لذلك فهناك إمكانية أن تصبح النهر الذي تصب فيه جميع المبادرات المجتمعية، وتتويجا لها.

د. ولأنها حركة مجتمع مدني تُعَبِّر عن حيوية المجتمع وتفاعله ونمائه فستساعد في إضعاف حجة الحكومات في دمغ كل نشاط مجتمعي بأنه عمل سياسي يسعى لإسقاطها.

هـ. كذلك يساعد على إنزال منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال الحقوق من سماء الصفوية لأرض الجماهير العريضة، مما يعطيها الحماية المجتمعية التي تحتاجها بشدة.

الأهداف

أهداف الحركة وترتيبها حسب الأولويات يجب أن تخضع لنقاشات مستفيضة. فهناك أهداف مشتركة بطبيعة الحال، مثل مقاومة القوانين القمعية، ولكن هناك أولويات بحسب المناطق والأقاليم. فوقف استهداف المدنيين في مناطق النزاع، وموضوع اغتصاب النساء في وحول معسكرات النزوح في دارفور تكتسب أولوية عندهم على حرية التعبير والتنظيم مثلا. ومسألة مقاومة السدود في الشمال لها أولوية على ما سواها من انتهاكات. لذلك لابد من ترتيب وتنسيق الأهداف ومرحلتها. وفيما يلي أعطي نماذج لأهداف الحركة ربما تصلح أساسا للحوار.

أ. وقف الحرب وإرساء دعائم السلام العادل في البلاد وخاصة الأقاليم المتأثرة.

ب. القضاء على كافة أشكال التمييز المؤسسي في مؤسسات الدولة، وإرساء أسس الحقوق والفرص المتساوية.

ج. انتزاع الحق في التعليم والصحة المجانيَّين، والحق في المياه النقية.  كذلك الحق في البيئة النظيفة والكشف عن أمر النفايات المدفونة وتحديد مصدرها والتأكد من آثارها على صحة المواطنين. والكشف عن تجارة المخدرات ومصادرها وتجارها.

د. حكم القانون وحماية حقوق الإنسان، وخاصة حرية التنظيم والتعبير والاعتقاد.

هـ. حماية الهوية السودانية، ومقاومة سَعْوَدَة وأَخْوَنَة المجتمع السوداني. والمحافظة على القيم الأصيلة والإرث الأخلاقي المتسامح المستمد من التراث الصوفي الذي يواجه هجمة وهابية – إخوانية مزدوجة. وحماية الثقافة والعادات الشعبية الإيجابية. ومقاومة  التحكم في أزياء النساء وتعديلها تبعا للآيدولوجيا الاخوانية أو الوهابية.

التنظيم والتعبئة

١. وضع خطط واضحة للمقاومة الشاملة، أي على كافة المستويات، الفكرية، والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية، والثقافية.

٢. الاتصال بجميع التنظيمات السياسية، والنقابية، والمجموعات الشبابية، والطلاب، وتنظيمات المرأة، والتجمعات المطلبية، ومنظمات المجتمع المدني المسجلة وغير المسجلة، ودعوتها لمناقشة الفكرة وتحسينها وتبنيها.

٣. تكوين لجان للعمل التوعوي وسط الأحياء، وتدريبهم على مهارات القيادة، لخلق قيادات شبابية مقتدرة.

٤. التدريب على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كأداة فعالة للتغيير واستخدامها كبديل للإعلام الحكومي.

٥. ابتداع طرق تمويل ذاتية لتسهيل العمل.

٦. وضع خطة للعمل وسط طلاب الجامعات والمدارس الثانوية.

٧. تكوين دليل تدريبي بواسطة متخصصين يحوي تعريفات ومهارات وآليات العمل.

 

دور قيادات المجتمع المدني في الحكم

دور قيادات المجتمع المدني في الحكم

يعزز هذا المشروع مشاركة المجتمع المدني في الشئون العامة، ويدعم الحكم الراشد، كما يدعو لتطبيق مبدا المحاسبية في الحكومة السودانية يساهم المشروع في إشراك الشباب ونشطاء المجتمع المدني في المشاركة المجتمعية والسياسية وفي الحكم، بالبناء الموسسي لقدراتهم وبدعمهم عبر مستوياتهم المتعددة يقوم المركز بتنفيذ عدد من الأنشطة والفعاليات التي لا تقع تحت مشروع بعينه، وهي تشمل نادي السينما الأسبوعي، المكتبة، والمناشط الثقافية الشهرية كافعاليات الموسيقية والغنائية، والندوات والصالون الأدبي
تم تمويله بواسطة معهد المجتمع المدني. ينتهي في يونيو 2013