“الجهاد الإلكتروني” وحديث العمالة والخيانة!!

“الجهاد الإلكتروني” وحديث العمالة والخيانة!!

بقلم/ استاذة رشا عوض

 

غريب جدا أن بعض عناصر ما يسمى “بالجهاد الإلكتروني” علقت على منع الإمام الصادق المهدي من دخول مصر فجر الأحد الماضي، بترديد “المحفوظات الإنقاذية” القديمة عن أن معارضة الخارج وعلى رأسها الإمام خائنة وعميلة!!!

وفي ساحة اللا منطق هذه لا يمكننا التساؤل حول السبب في إبعاد الإمام والتضييق عليه في الخارج الذي هو عميل له حسب الزعم!!

ولكن ما يحدث الآن على الساحة الإقليمية والدولية أظهر تماما وبوضوح لا يمكن ان يتسلل إليه الشك من هم الخونة ومن هم العملاء!

عملاء الخارج هم العصابة الحاكمة بقيادة عمر البشير ولذلك خرقت مصر تقاليدها الراسخة في التعامل مع من يلجأ إليها عربونا لصفقة مع نظام الخرطوم تتسق مع المخطط الدولي للإبقاء على هذا النظام الذي يجد فيه الخارج نظاما نموذجيا لتنفيذ “الإملاءات الأجنبية” دون قيد أو شرط إلا شرطا واحدا طبعا هو انفراده بالسلطة والثروة!

وبما ان السودان بلد غني بالموارد المتنوعة والأراضي الخصبة الشاسعة فان النظام النموذجي لحكمه من قبل كل الطامعين هو نظام البشير!!

نظام مستعد لبيع كل شيء في السودان “بالجملة” و”القطاعي” وبثمن بخس!

بيع الأراضي والمشاريع الزراعية العملاقة وبيع الموانيء والمعادن في صفقات سرية مشبوهة وسبب التعتيم هو ان الثمن المقبوض هو رشاوى وعمولات للعصابة الفاسدة وليس هناك ثمن يصل الى المصلحة العامة للشعب السوداني!

حتى البشر يتم بيعهم في مزادات “عاصفة الحزم”!! وبلغ الهوان بالدولة السودانية في عهد البشير درجة أن يأتي الضباط الاماراتيون إلى غرب السودان بأنفسهم ويتعاقدون مباشرة مع المرتزقة!! ربما لتوفير عمولات الوسطاء!!

هذه المنطقة المنكوبة من العالم زاخرة بالعملاء! ولكن عمالة نظام البشير هي أسوأ وأحط أنواع العمالة! ففي ظل “العمالة التقليدية” هناك عملاء في محيطنا الإقليمي جعلوا ثمن عمالتهم (بالإضافة إلى المنافع الشخصية طبعا) دعم مشاريع التنمية والبنية التحتية لدولهم وتسليح جيوشهم الوطنية وإعفاء ديونهم الخارجية وغير ذلك من المصالح التي تصب في “جيب الدولة” وليس فقط جيوب الأفراد! أما عمالة البشير فهي رخيصة جدا لأنها لا تكلف من يهمه الأمر فاتورة كبيرة واجبة السداد في الحسابات الرسمية للدولة السودانية!! بل هي ثمن بخس دراهم معدودات في جيوب النافذين! وطبعا قصور وفلل دبي وماليزيا والأرصدة التي تصل إلى ملايين الدولارات هي ذلك الثمن البخس والدراهم المعدودات بحسابات “سوق العمالة الدولية” الذي هبطت عمالة نظام البشير بمستواه إلى قاع سحيق!

فثمن العمالة للسعودية لا يتجاوز تسليم رجل أعزل مثل هشام علي (ود قلبا) لينهشه التعذيب في معتقلات الأمن!

ولا يتجاوز دفع تلك”الدراهم المعدودة” لسماسرة عاصفة الحزم! ولكن يستحيل ان تكلف السعودية نفسها وتحل للسودان أزمة الوقود مثلا!

هذا ما فعلته العصابة بوطننا العزيز الذي لا حاجة له مطلقا للعمالة والارتزاق، فالسودان يحتاج فقط إلى الرشد السياسي المقترن بالكفاءة والنزاهة في إدارة موارده في ظل نظام ديمقراطي يصون حقوق الإنسان ويحفظ كرامة السودانيين على اختلاف انتماءاتهم العرقية والدينية والجهوية ويؤسس علاقاته الخارجية على أسس عقلانية ووطنية بمعنى ان تكون العلاقة مع الخارج موظفة بشكل كامل للمصالح الوطنية العليا ممثلة في السلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية والبشرية، وليس للأجندة الآيدولوجية والمغامرات الحزبية الطائشة ولا لمصالح عصابات غسيل الأموال والنهب المنظم لموارد الشعب السوداني ولا للمطاردات البوليسية للاحرار والشرفاء من المواطنين السودانيين كما يحدث الآن!

لدينا ما يكفي من الموارد الاقتصادية والبشرية لأن نحجز لدولتنا مقعدا محترما في المحيط الإقليمي والدولي، دون عداوات ودون التورط في مغامرات إرهابية ودون الحاجة لمرمطة الكرامة الوطنية حتى في مزادات”العمالة التقليدية”!! ولكن عصابة البشير اختارت للوطن الانحدار إلى درك “العمالة الرخيصة” متعددة الزبائن!

وبعد كل ذلك “قلة الحياء السياسي” والجرأة الفاجرة تجعل أبواق هذا النظام تنعق بتوزيع اتهامات العمالة والخيانة على المعارضين والمعارضات الذين خرجوا من الوطن فرارا بشرفهم الوطني!

ليس على “الذباب الإلكتروني” حرج ولكن الغريب ان بعض المعارضين لم يخفوا شماتتهم!! ولا أدري ما المنطق في ان يبخل معارض بكلمة تضامن أو حتى يلتزم الصمت إزاء حادثة طرد سياسي معارض من دولة مجاورة بسبب موقفه المعارض!! في حين أن كتابا ومثقفين مصريين انتقدوا حكومة بلادهم في هذا القرار ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الدكتورة أماني الطويل ونائبة رئيس تحرير الأهرام للشؤون العربية الاستاذة أسماء الحسيني، والدكتور هاني رسلان!

هذا أمر محير وغريب ويكشف جانبا من طريقة التفكير المأزومة لدى كثير من المعارضين الذين لا يفرقون بين

التضامن مع الإمام الصادق المهدي كآخر رئيس وزراء منتخب في آخر انتخابات حرة نزيهة شهدها السودان تعرض للطرد لاسباب سياسية!! وبين التماهي التام مع حزب الأمة سياسيا!!

فالوقت الآن للعمل من أجل “استعادة النظام الديمقراطي” ومن ثم استعادة حرية اختيار من يحكم وكيف يحكم السودان، أما الآن فحريتنا مسلوبة بالقوة ومهانة تحت حذاء البشير! ولكن البعض وبينما حريتهم مسحوقة تحت حذاء البشير يحاولون خداع أنفسهم بفراسة وفروسية مزعومة ميدانها الصادق المهدي! ويختارون لممارسة هذه الفراسة والفروسية ظروفا غير ملائمة مثل ان يكون المهدي معتقلا أو مبعدا من دولة بسبب معارضته وبسبب تمسكه باستقلالية قراره! فبحسب مصادر حزب الأمة، فإن الحكومة المصرية طلبت من المهدي عدم الذهاب للمشاركة في اجتماع “نداء السودان” ببرلين ولكنه رفض الامتثال لذلك، وهذا يعني أن الإمام الصادق المهدي يدفع ثمن استقلاليته السياسية!

أما نموذج العمالة والارتزاق فهو البشير وعصابته وهاهم الآن يحصدون ثمار عمالتهم وانحطاطهم!!

مصر تطرد لهم الصادق المهدي!

السعودية تسلم جهاز أمنهم القذر مواطنين عزل لتطحنهم آلة التعذيب!

إسرائيل”شخصيا” تتوسط لهم لدى الإدارة الأمريكية لأنهم قدموا لها خدمات جليلة في مكافحة حماس وحزب الله!

وللمفارقة احتج نواب في الكنيست على هذه الوساطة لأن الحكومة السودانية منتهكة لحقوق الإنسان ولا تستحق الدعم من دولة ديمقراطية كإسرائيل!!

وأمريكا تستجيب ليس فقط من اجل سواد عيون إسرائيل وإنما بسبب أصوات من داخلها شهدت لنظام البشير بحسن السيرة والسلوك في التعاون مع المخابرات الأمريكية وتسليمها ملفات الإرهابيين الذين احتضنهم النظام أيام المراهقة الآيدولوجية!! وهاهي أمريكا ترفع عنهم عقوباتها بالتدريج وتشيد على أرضهم أكبر معاقل استخباراتها!

والاتحاد الأوروبي يعقد معهم الصفقات السرية والعلنية حول الهجرة!!

والمجتمع الدولي كله بما فيه الاتحاد الأفريقي والدول العربية يضغط المعارضة في اتجاه الاستسلام لهم!!

نفهم كل ذلك في إطار معادلة توازن القوى ولعبة المصالح و”الأكروبات” الدبلوماسية التي أتقنها النظام في سعيه للاستيطان الأبدي في السلطة، ولكن لا قبل لنا بفهم المزايدات الفجة لفلول العمالة والارتزاق في نظام البشير العميل على الأحرار والشرفاء الذين يدفعون الآن ثمن استقلاليتهم ووطنيتهم فيما تقبض تلك الفلول ثمن عمالتها وارتهانها المبتذل لأجندة الخارج على حساب الوطن أرضا وشعبا! ولا قبل لنا كذلك بفهم فراسة وفروسية بعض المعارضين الشامتين في مثل هذا الظرف!

نشر المقال في جريدة التغيير الالكترونية
https://bit.ly/2L451UN

مسؤولية الموظف العام في القانون السوداني

مسؤولية الموظف العام في القانون السوداني

بقلم معاذ زكريا المحامي

 

صعق الناس بحادثة إطلاق النار على قتيل شارع النيل بأمدرمان الشاب/ سامر عبدالرحمن ، وذلك للفجاجة والقسوة التي تم بها ارتكاب الجريمة.

الواقعة تجعلنا نتساءل حول مسؤلية الشرطي أو النظامي في القانون ، وعن حدود سلطته وحصانته ، وعن مسؤليته حال تجاوز هذه السلطة.

بادئ ذي بدء يجب أن نثبت ان لا حصانة مطلقة لأحد كائنا من كان ، وان القانون فوق الجميع وليس العكس.

وفي غضبة الرسول الكريم (ص) على الصحابي اسامة بن زيد خير دليل على ذلك ، عندما إنتهره قائلا: ( أتشفع في حد من حدود الله؟ ، والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها ) لم تشفع قرابة السيدة فاطمة الزهراء للرسول (ص) من ان تجعلها فوق القانون ، فالذي يسري عليها يسري على غيرها ، فالناس سواسية كأسنان المشط أو كما قال الرسول (ص).

فالمولى عز وجل عندما فرض علينا القصاص لم يستثنى منه أحدا ، اذ قال: ( يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ).

ذات المنحى نحاه القضاء السوداني ، ففي سابقة حكومة السودان ضد خضر إلياس عباس ، ناقشت هذه السابقة ضوابط إستخدام القوة عند تنفيذ أوامر القبض ، حيث قررت أنه في حالة العمل القانوني الذي يكون إستعمال لحق مقرر بمقتضى القانون أو أداء لواجب مفروض قانونا يعتبر ثبوت حسن النية من جانب المتهم عنصرا أساسيا لإنتفاء القصد الجنائي ، إلى ان يثبت أن تصرفه تم بالحيطة والحذر اللازميين وفقا لظروف الدعوى وملابساتها.

وتتلخص الوقائع في ان المتهم وهو رجل بوليس يتبع لشرطة جبل أولياء كلف بالقبض على المجني عليه وإحضاره لنقطة البوليس ، وبالفعل ذهب العسكري لإحضار المجني عليه الذي إنصاع في البدء لأوامر الشرطي ، إلا انه امتنع عن الذهاب معه بعد ذلك خشية ان تضيع عليه أجرة اليومية فما كان من العسكري إلا ان أخرج مسدسه وطلب من الجميع الإبتعاد وأطلق طلقة من مسدسه أصابت المجني عليه في مؤخرة رأسه مما أدى الى وفاته.

المحكمة قررت إدانة الشرطي بالقتل العمد ، وحكمت عليه بالإعدام شنقا.

فان كان ثمة حصانة يتمتع بها موظفو الدولة فهي حصانة اجرائية وليست حصانة موضوعية تحول دون المساءلة القانونية.

وبالرجوع للواقعة التي نحن بصددها ، وبالإطلاع على نص المادة (١٣٠) من القانون الجنائي لسنة ١٩٩١م ، والتي تقرأ: ( يعد القتل عمدا اذا قصده الجاني أو قصد الفعل وكان الموت نتيجة راجحة لفعله ).

فالجناة قصدوا الفعل وهو القتل ، يستشف ذلك من الأداة المستخدمة في الجريمة وهو المسدس ، كما ان الطلقات تم تصويبها نحو مكان حساس في جسم المجني عليه ، كما ان الجناة قاموا بتسديد عدد من الطلقات نحو القتيل ، مما يعني ان قصد الجناة اتجه نحو إزهاق روح المجني عليه ، كما ان الموت كان النتيجة الراجحة لفعلهم هذا.

لا يشفع للجناة ان جريمة القتل وقعت اثناء تأديتهم لعمل رسمي هم مكلفون قانونا بأداءه ، صحيح ان القانون يعطي الحق للشرطي أو النظامي في استعمال القوة لتنفيذ أمر القبض ، إلا ان استعمال هذه القوة ليس على إطلاقه ، كما لا يبيح تسبيب الموت أو الأذى الجسيم ، كذلك فان استعمال القوة يجب ان يتم مع مراعاة الحيطة والحذر اللازميين.

فقد اشترط قانون الشرطة لسنة ٢٠٠٨م توافر حسن النية لاستعمال القوة ، اذ تنص المادة (٤٥) منه على: ( لا يعتبر جريمة اي فعل يصدر من اي شرطي بحسن نية اثناء أو بسبب أداء اعمال وظيفته أو القيام باي واجب مفروض عليه أو عن فعل صادر منه على ان يكون ذلك الفعل في حدود الاعمال أو الواجبات المفروضة عليه أو وفق السلطة المخولة له بموجب قانون الإجراءات الجنائية أو اي قانون اخر ولا يتعدى القدر المعقول من القوة لتنفيذ واجباته أو لتنفيذ القانون دون اي دافع اخر للقيام بذلك الفعل ).

كذلك فان الدفوع الواردة في المادة (١٣١) من القانون الجنائي والتي تحول القتل من عمد الى شبه عمد ، اشترطت أيضا توافر حسن النية ، حيث نصت الفقرة (أ) منها على: ( يعد القتل شبه عمد اذا تجاوز الموظف العام أو الشخص المكلف بخدمة عامة بحسن نية السلطة المخولة له قانونا وهو يعتقد بان فعله الذي سبب الموت ضروري لتأدية واجبه ).

فهل كان الجناة أصحاب نية حسنة عندما قتلوا المجني عليه؟ شخصيا لا أعتقد ذلك ، فالقتل تم عن قصد وتعمد ، وتم باستخدام وسيلة غالبا ما تسبب الموت وهي المسدس ، كما ان هذا الفعل لا يعتبر ضروريا لتأدية الواجب ، فَلَو كان المجني عليه مجرما خطيرا ذو دراية باستخدام السلاح الناري ، وبدأ في إطلاق النار على دورية الشرطة ، فهنا يمكن ان نجد مبررا لاستخدام السلاح ، لكن ان يشهر هذا السلاح في وجه مواطن أعزل بحجة انه ارتكب جريمة حال ثبوتها فانه يمكن ان يعاقب عليها بالغرامة ، فهو ما لا أَجِد له مبررا أبدا ، فهنالك اكثر من طريقة لتوقيف المجني عليه بدل ان يتم إزهاق روحه فِي رابعة النهار وعلى مسمع ومرأى من الناس بهذه الطريقة البربرية البشعة ، خصوصا وان الجريمة التي يشتبه في ارتكابه لها ليست من الجرائم الخطيرة المعاقب عليها بالإعدام أو السجن لأكثر من (١٠) سنوات.

المقال نشر في جريدة التغيير الالكترونية
https://bit.ly/2m0DZTa